وصول المرأة الفلسطينية لمراكز صنع القرار بين القانون والثقافة المجتمعية
نشر بتاريخ: 2023-01-12 الساعة: 13:46
آلاء مليطات- باحثة دكتوراة
رغم الدور الطليعي الذي خاضته المرأة الفلسطينية في تاريخ النضال الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي ما زالت مسألة المشاركة السياسة للمرأة في المجتمع الفلسطيني موضع بحث وتساؤل.
إذ باتت جدوى المشاركة السياسية للمرأة محكومة بالثقافة المجتمعية التي تحكمها قيم الأبوية والقبلية، ما يظهر حجم المشاكل البنيوية التي تعاني منها مراكز صنع القرار نظرًا للغياب الواضح للمشاركة النسائية في القرار السياسي الفلسطيني.
ذلك رغم وجود منظومة قانونية حاضنة وداعمة لدور النساء في صنع القرار السياسي لكن يبقى التساؤل حول مدى فاعلية ما يمليه نصّ القانون أمام ما تفرضه الثقافة المجتمعية.
الواقع القانوني لوصول المرأة الفلسطينية لمراكز صنع القرار.
أكد القانون الأساسي الفلسطيني المعدل للعام 2005 في مادته التاسعة على أن الفلسطينيين أمام القانون والقضاء سواء لا تمييز بينهم بسبب العرق أو الجنس أو اللون أو الدين أو الرأي السياسي أو الإعاقة، وجاء ذلك متوائما مع توقيع فلسطين على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) دون أي تحفظات، والتي ألزمت الدول الأطراف باتخاذ جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في أوجه الحياة كافة من ضمنها السياسية.
كما تكفل للمرأة على قدم المساواة مع الرجل الحقّ في التصويت في جميع الانتخابات والاستفتاءات العامة والأهلية ذلك لانتخاب جميع الهيئات التي ينتخب أعضاؤها بالاقتراع العام.
كما تضمنت حق مشاركة المرأة في صياغة سياسة الحكومة وفي تنفيذ هذه السياسة، وفي شغل الوظائف العامة على جميع المستويات الحكومية، والمشاركة في أية منظمات وجمعيات غير حكومية تهتم بالحياة العامة والسياسية للمجتمع.
ولم يفرق قانون الخدمة المدنية في تعريف الموظف وآليات وصوله للفئة العليا بين الجنسين. إضافة إلى إقرار قانون الانتخابات المحلية لعام 2005 في مادته الرابعة الحصة (الكوتا) النسائية، والتي أوجبت في كل قائمة من القوائم الانتخابية المرشحة للانتخابات النسبية (القوائم) حداً أدنى لتمثيل المرأة لا يقل عن امرأة واحدة من بين كل من الأسماء الثلاثة الأولى في القائمة ثم الأربعة أسماء التي تلي ذلك ثم من كل خمسة أسماء تلي ذلك.
وجاء قرار المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية منسجما مع التشريعات السابقة حيث أكد في ختام دورته العادية 27 عام 2015 على ضرورة تحقيق المساواة الكاملة للمرأة، وتعزيز مشاركتها في كافة مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية ودولة فلسطين، وأن لا تقل نسبة مشاركتها في هذه المؤسسات عن 30 بالمئة.
بالرغم من أن التشريعات القانونية داعمة نظريًا للحد الأدنى من تعزيز وصول المرأة لمراكز صنع القرار إلا أن ذلك لا ينعكس على الواقع العملي الذي يكشف عن غيابها الواضح والملموس.
بإلقاء نظرة سريعة على مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية وهياكلها نجد أن نسبة تمثيل المرأة متدنية جدا حيث بلغت نسبة تمثيل المرأة في دورة المجلس الوطني الفلسطيني للعام 2018 هي12% ويخلو مكتب رئاسة المجلس من أي تواجد نسوي، أما فيما يتعلق بحصة النساء في المجلس المركزي للعام 2018 فأٌعلن عن 37 عضو ضمن حصة المستقلين من بينهم ثلاثة نساء وثلاث أخريات أعضاء في المجلس بحكم مناصبهن وهن: حنان عشراوي بصفتها عضو في اللجنة التنفيذية واستقالت من منصبها خلال شهر كانون الأول من العام 2020 وأصبحت عضوية اللجنة التنفيذية ذكورية بشكل مطلق، وعضوية انتصار الوزير بصفتها ممثلة عن الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، وعضوية زهيرة كمال بصفتها الأمين العام لحزب فدا. وفي هذا مخالفة صريحة لقرار المجلس المركزي للعام 2015 والذي يؤكد على رفع نسبة تمثيل المرأة الى 30%.
الواقع السياسي لوصول المرأة الفلسطينية لمراكز صنع القرار.
أما فيما يتعلق بالأحزاب السياسية ليست بحال أفضل، فرغم مشاركة المرأة المبكرة في الفصائل والأحزاب السياسية، إلا أن ذلك لم يدعم نسب تمثيلها في مراكز صنع القرار حتى لدى الأحزاب التي تحمل فكرًا تقدميًا فعلى سبيل المثال: يوجد في حركة التحرير الوطني الفلسطيني-فتح امرأة واحدة من أصل 18 عضوًا في اللجنة المركزية للحركة، ونسبة تمثيل المرأة لدى المكتب السياسي للجبهة الشعبية 15% ونسبة 21% للجبهة الديمقراطية.
ووفقاً لبيانات العام 2020؛ فلا تزال مشاركة النساء في مواقع صنع القرار في مؤسسات الدولة (حاليًا السلطة الوطنية الفلسطينية) محدودة مقارنة مع الرجال، فهناك امرأة واحدة تشغل منصب محافظ من أصل 16 محافظاً، وفي أحدث إصدار للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في تقريره المعنون "المرأة والرجل في فلسطين قضايا واحصاءات العام 2021" فإن نسبة التوزيع النسبي للأعضاء في الهيئات المحلية 2020 كان 20 إناثاً و80 ذكوراً، والتوزيع النسبي لرؤساء الهيئات المحلية 1.8 إناث و 98.2 ذكور، والتوزيع النسبي للسفراء في 2020 للإناث 10.8 و 89.2 ذكور، ورؤساء مجالس الطلبة 4.3 إناث و 95.7 ذكور، ومن القضاة 19.2 إناث و 80.8 ذكور.
وتوزيع أعضاء مجلس الوزراء في الحكومة الثامنة عشر 87.5 ذكور، و 12.5 إناث، أما عن أعضاء الغرف التجارية والصناعية والزراعية، فقد بلغت النسبة 96 بالمئة من الرجال، مقابل 4 بالمئة فقط من النساء في فلسطين للعام 2019، وحوالي 8 بالمئة نسبة القاضيات الشرعيات في الضفة الغربية مقابل 92 بالمئة للرجال. وحسب بيانات ديوان الموظفين العام حتى شهر شباط للعام 2021، بلغت مساهمة النساء في القطاع المدني 45 بالمئة من مجموع الموظفين، وتتجسد الفجوة عند الحديث عن الحاصلين على درجة مدير عام فأعلى حيث بلغت 14 بالمئة للنساء مقابل 86 بالمئة للرجال.
ما ذكر آنفا يوضح أنه رغم وجود منظومة قانونية داعمة لحقوق المرأة إلا أنها لم تمثل مرآة تعكس واقع المرأة سياسيا ووظيفيا.
الإشكال الحقيقي لا يتوقف على عدم فاعلية القانون بل أيضا بالوسائل التي تمكن من إنفاذه مثل الانتخاب الذي يعد أكثر الآليات ديمقراطية، ولكن تجاه وإزاء تجربة المرأة نجد أنه تعترضها مع آلية الانتخاب مجموعة من الحواجز الثقافية، الاجتماعية، التاريخية، بالإضافة للموروث الديني بصيغة الفهم الجامد أو الماضوي غير المستنير.
كما ينطبق ذلك على آلية التعيين التي تتجلى في تطبيقها الهيمنة الذكورية في مختلف المؤسسات الخاصة والعامة والتي تحول دون وصول النساء إلى مراكز صنع القرار.
في الآونة الأخيرة برزت العديد من المؤسسات الحقوقية والنسوية التي تبنت خطابا حقوقيا دولياً ينادي بمفاهيم المساواة وأهمية إشراك المرأة في صنع القرار السياسي.
للمفارقة يعتبر هذا الخطاب عائقًا آخر أمام إشراك المرأة وتحصيلها لحقوقها، كونه خطاب يتناول مفاهيم تحرير المرأة الفلسطينية بمعزل عن السياق الاجتماعي، الاقتصادي، السياسي، المرتبط بانتمائنا الأصيل ضمن حضارتنا العربية الاسلامية المتميزة بالاسهامات المسيحية المشرقية الرحبة، بالإضافة للسياق الاستعماري (الاحتلالي) الذي عمل على تشكيل وضع المرأة الراهن. لما يرتبه خطاب المانح من تمكين صوَري شكلي للمرأة الفلسطينية على جميع الأصعدة.
في نهاية المطاف نرى أنه لإحداث تغيير نوعي للصورة النمطية في المجتمع الفلسطيني لا بد من وجود برامج توعوية تستهدف الرجل والمرأة على حد سواء، فلا يتصور العمل على رفع مستوى المرأة الثقافي وإدراكها لدورها الحقيقي في المجتمع ومطالبتها لكافة حقوقها، دون العمل بنفس الدافعية على الرجل وتوعيته حول أهمية مشاركة المرأة بشكل حقيقي، والعمل على دعم وتعزيز وجودها إلى جانبه شريكة على كافة المستويات والأصعدة.
إضافة إلى ذلك، يجب العمل بشكل مكثف على تغيير صيغة الخطاب الديني بالفهم الماضوي المهمين ليصبح خطابًا يستند إلى تجديد فهمنا للنصوص الدينية الإسلامية وصولا للافهام السمحة والمستنيرة وهي كثيرة، بما يتواءم مع تطور الحياة دون المساس بالعقائد والقيم بالطبع، لما له من دور كبير على التغيير الاجتماعي، وهذا ينطبق على الخطاب الإعلامي أيضا. ولا بد من استهداف الشريحة الأهم أي بُناة المستقبل وهم الأطفال لتعزيز ثقافة تمكين المرأة ووصولها لمراكز صنع القرار.
mat