الرئيسة/  مقالات وتحليلات

الحزن اكبر من غزة

نشر بتاريخ: 2025-01-21 الساعة: 16:18

كتب / Taysir Abd.

منقول عن صفحة فيسبوك لمواطن في غزة 


السكرة آخذة في التلاشي رويدا رويدا. مشاهد الفرح المصطنع. والاحتفال بالانتصار فوق الركام الذي يخبئ تحته عشرات آلاف الجثث المتحللة. بدأت تتراجع بعد محاولة الترويج لها على أنها الصورة الأخيرة. مشاهد احتضان الأم جمجمة ابنها لتودع آخر ما وجدته فيه. لترضعه من حنانها الأخير بعد موته القاسي. والحسرة المريرة التي عاد بها النازحون إلى خيامهم الملعونة بعد مشاهدة بيوتهم التي أصبحت ردما وحجارة متناثرة. الضياع والتيه والفقد والألم. لم تعد مشاعر فردية أو خاصة. الجميع يشعر بها وتحرق دواخلهم. كل الغزيين يشعرون أنهم تائهون بلا مستقبل. أو يد رحيمة تحنو عليهم. أو أمل.

حين تتحدث مع الجميع. فإنهم قلقون مرتبكون حائرون خائفون من المستقبل. يسكنهم شعور عميق باليأس والكآبة. يحدثونك عن فقدهم وصدمتهم بمشاهدة منازلهم المدمرة. ويندمون على أنهم ذهبوا لمشاهدتها. وأي ألم ذلك الذي يصيب المرء بعد فقد بيته وسكنه ومحبيه. ويتحول إلى متسول على الأبواب ليحفظ نفسه محاولا البقاء على قيد الحياة. بعد أن كان عزيزا كريما. أكثر الأسئلة التي تداولها الغزيون في الساعات الماضية:
هل لك بيت؟.
وكانت أكثر من 70% من الإجابات:
لم يعد لنا بيت. وجدته مدمرا.
والبقية أجابوا أن قذيفة ضربت سقفه. أو وجدوه محروقا.
تخيل أن وجود البيت في هذا العبث أصبح محلا للسؤال وكأنك تسأل عن قلم حبر فقد منك؟.

غزة البائسة والمدمرة والحزينة والمكلومة والنازفة التي وهبت أبناءها وسعادتها رغما عنها. ليفرح ويبتهج غيرها. هي غير قادرة على الفرح الآن. الحزن أكبر منها. وأكبر من قدرتها على تصنعه أو تصديره ولو كاذبة. جرحها غائر. وأرضها مليئة بالمدافن والمقابر الجماعية والجثث المتحللة والجماجم والدمار.

أبناؤها مسكونون بالهواجس والذكريات الأليمة والسوداء. لم يعد يعنيهم في هذا الوقت غير البحث عن الأمان الذي فقدوه من بين آلاف الأشياء العزيزة التي فقدوها في رحلة الضياع.

نتيجة واحدة خرجت بها من محادثاتي الكثيرة مع المتألمين. أن أكبر انتصار يمكن أن يحققه الفلسطيني في هذا الوقت. هو أن يبقى صامدا على أرضه. 

لكن إن حرقت الأرض. ودمرت البيوت. وغرس اليأس. وقتلت أسباب الحياة. وتخلى الجميع عنه. ودفع للتفكير في الهجرة والهروب دفعا. فأي انتصار يمكن أن يحدث بعد ذلك غير انتصار الخداع والكذب.

mat
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2025