الرئيسة/  مقالات وتحليلات

وصية المطران كبوجي: حافظوا على إنسانيتكم

نشر بتاريخ: 2025-03-05 الساعة: 11:40

 

- موفق مطر


الانسانية، والإيمان والعمل، والنضال على دروب الانتصار للحق والحرية. ليس مستحيلا تجسيد هذه السمات والصفات في شخص واحد، ليصبح رمزا حقيقيا، وليس أسطوريا أو متخيلا، فلا بد أن أعماله قد سبقت أقواله، حاملا الآلام، وسائرا ثائرا ينشد الحرية للأرض المقدسة فلسطين، ولشعبها المظلوم.. إنه مطران العرب والعروبة الثائر هيلاريون كبوجي، والكاتب في مذكراته: "يوم سيامتي الأسقفية، وضع ربنا في عنقي أمانة، هي فلسطين والفلسطينيين. ويوم الحشر سوف يحاسبنا حسابا صارما على الأمانة. فعلاوة على عروبتي، فإن واجبي وضميري يفرضان علي خدمة القضية.. ولا فضل للقيام في الواجب، وخدمة قضيتي الفلسطينية كرجل دين وليس كرجل سياسة".

يحق للشعبين العربيين السوري والفلسطيني أن يكون المطران هيلاريون كبوجي اسما في سجل الخالدين الذين كرسوا معنى وحدة الأمة العربية ومصيرها، وثقافتها الانسانية، وانتصروا لقضية الأمة المركزية، بلا مطامع، ولا أدنى تفكير بالمكاسب الدنيوية، أو النظر نحو اغراءات السلطان.. فالأسماء كثيرة كالنجوم، لكنْ لبعضها بريق، وحضور مميز، ذلك أنه الأقرب للقدس، بوابة الأرض نحو السماء .. فمطران كنيسة الروم الكاثوليك في القدس عام 1965، سوري مولود في مدينة حلب في 2 مارس1922 والمصادفة أن اسم عائلته (كبوجي) يعني البواب، واختار اسم هيلاريون تيمنا باسم قديس ولد في غزة 291 ميلادية، ليحل مكان اسمه الأول الحقيقي (جورج) وفي حلب درس حتى المرحلة الثانوية، وتابع دراسته في دير الشير في لبنان ما بين 1933 -1944، ثم حضر الى دير القديسة آن في القدس لإكمال دراسة اللاهوت وهنا في القدس سيم كاهنا عام 1947، في العام 1965 رقي الى رتبة المطرانية، وعين نائبا بطريركيا في القدس لطائفة الروم الكاثوليك...وشهد احتلال المدينة سنة 1967.

قال يوما: "القضية الفلسطينية عادلة مرتبطة بالشرق والغرب، ونحن مسيحيي الشرق كالجسر الرابط بين الشرق بالغرب "..وشهد الاوفياء لسيرته، بقدرته الخلاقة على تأسيس علاقة راسخة بين منظمة التحرير الفلسطينية والفاتيكان، كان وحدويا عروبيا مدافعا عن القضية الفلسطينية وعدالتها في كل المحافل، وقامة عظيمة، حظي بأعلى درجات الاحترام ليس في فلسطين وحسب، بل في الوطن العربي، شارك القائد في حركة فتح خليل الوزير (أبو جهاد) في ميدان العمل الوطني النضالي السري في الأرض الفلسطينية المحتلة، ونجح بمواءمة ايمانه بتعاليم الكنيسة الداعية إلى السلام، وإيمانه بمبادئ وأهداف حركة فتح التي اصبح فيما بعد عضوا في مجلسها الثوري، وعضوا في المجلس الوطني الفلسطيني لمنظمة التحرير الفلسطينية .

رأت منظومة الاحتلال في منهج المطران كبوجي الوطني خطرا، ذلك أنه قد أسهم بفعالية عالية، في تقوية وتعزيز خطي الصمود والعمل الوطني، كان معتدلا، متحررا من التعصب، وله قول مأثور: "ان الاعتدال يزيد الحياة جمالا". اجتماعيا، بصدر رحب، اهتم بالتعليم، وساند طلاب العلم من كل شرائح المجتمع الفلسطيني، وقال في الاعلام: "انه كالسلاح، إن لم تستخدمه بحكمة يقتلك ".. والأهم مقاطعته لسلطات الاحتلال الاسرائيلي في المناسبات الرسمية.. أما مساهمته الفاعلة في دعم خلايا حركة فتح السرية في فلسطين بما يمكنها من العمل ضد الاحتلال، فقد كانت دافعا لاعتقاله، فتحدى منظومة الاحتلال بقوله: "أنا باقٍ في صراطي المستقيم. ولكم أن تقتلوني لأصمت " وبعد أن استشهد بتلاميذ المسيح قال: "الكنيسة لا تمنعني من النضال.. أنا أتعذب من أجل الشعب الفلسطيني، أنظر الى الشهيد الفلسطيني الأول يسوع المسيح كيف عذبوه، وصلبوه، انني صاحب قضية عادلة، لم أقم بعمل إرهابي، نحن مقاومة مشروعة، من أجل استرجاع الحقوق للشعب، وهذا الحق مكفول بالقانون والدين، وأنا كمؤمن بيسوع، مؤمن بالديانات، مؤمن بالشعب الفلسطيني المشرد، من حقي الدفاع عن عدالة القضية، وحق اللاجئين، الذين يجب أن يعودوا إلى ديارهم".

وأبعد بعد 4 سنوات الى روما، إثر تدخل من الفاتيكان، ومنع من العودة الى فلسطين وسوريا ولبنان ايضا، فكتب بيانا الى الشعب الفلسطيني:" ان سجني على ارض القدس العربية أحب الي من اطلاق سراحي بعيدا عنها ...أفديكم وأهديكم ضياء عيني ودفء قلبي أعطيكم.. من منفاي البعيد، حيثُ أتألمُ من الابتعاد عن أبناء شعبي العظيم، لكن قلبي معكم، وروحي معكم ودعائي من أجلكم، لأكون معكم، أشارككم في كل ما تقومون كي تتحقق أمانينا المنشودة بإزالة الاحتلال وتحرير كل شبر من أرضنا وتحقيق الاستقلال وإنشاء دولتنا المستقلة وعاصمتها القدس".

اول امس وأثناء احياء مؤسسة ياسر عرفات في رام الله لذكرى ميلاد مطران القدس والعرب كبوجي، علقت في ذهني عبارة: "حافظوا على إنسانيتكم" رددها ثلاث مرات في نهاية شريط وثائقي، عرض بالمناسبة، فوصلتنا رسالته المبشرة بحتمية انتصار الانسانية والحق والعدالة، على نقائضها: الاحتلال والباطل والعنصرية.

mat
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2025