الرئيسة/  مقالات وتحليلات

السلام الآن...

نشر بتاريخ: 2025-03-19 الساعة: 05:41

 

 موفق مطر


غياب مثقفين وساسة اسرائيليين عرفناهم ومعنا العالم بانحيازهم للسلام، يفرض وضع علامة استفهام على مصير تيار السلام في المجتمع الاسرائيلي: الثقافي المتحرر من المفاهيم المتطرفة المنبعثة من تعاليم عنصرية، وكذلك السياسي العقلاني الواقعي، الذين أقروا فعلا، بحق الشعب الفلسطيني في أرضه الطبيعية والتاريخية، والتقينا معهم يوما بمنظور رؤية واقعية لمستقبل المنطقة، وضرورة ابداع الوسائل لإنقاذ جوهر الثقافة الانسانية المهددة بالزوال، بسبب طغيان المفاهيم المتطرفة، المستهترة بحياة الانسان، ولا تقيم وزنا لقداسة النفس الانسانية، فالوقوف في جبهة السلام، يعني اعلان موقف صريح برفض الحرب والإرهاب والصراعات الدموية كحلول، ويعني الارتقاء بمستوى المسؤولية والأمانة في عنق الانسان، الى حد ملامسة الحقيقة، المتجسدة اصلا في حقائق مادية واقعية، الأمر الذي سيعين الجميع على نزع واجتثاث عقلية الاستكبار المتسببة بالمعاناة والمآسي، والموت والدمار، وقطع السبل أمام تجار السلاح الأكبر في العالم من التكسب على حساب دماء اطفالنا ونسائنا وشبابنا، فالوقوف في جبهة السلام، ليس مجرد هتاف ويافطة وحسب، بل عمل على منهج لترسيخ وتأصيل ثقافة السلام، الذي لن يتحقق ويسود أرض فلسطين المقدسة وما حولها، ما لم يحقق الشعب الفلسطيني استقلاله، وسيادته على أرض دولته، التي باتت جزءا لا يتجزأ من خريطة العالم الجيوسياسية، وتحظى بمظلة الشرعية الدولية، وحماية القانون الدولي.

إن جبهة السلام التي ننشدها، تتطلب حشد انصار السلام بحزم، وتشكيل سد مانع لطغيان وبغي وتغول حكومة الصهيونية الدينية والمستوطنين، والتحكم بمركز قيادة المستقبل، فهؤلاء مصممون على تسليم مفاتيح المنطقة لقيادة الإمبراطورية الاستعمارية المعاصرة! ومأخوذون بظن الخروج من صراعات وحروب دينية  بانتصار، لكنهم في الحقيقة سيكونون اول الخاسرين، على المدى البعيد، وعليهم التذكر دائما أن التجارب التاريخية أثبتت استحالة تجذر محتل، او مستوطن مهما بلغت قوته في أرض تعيش شعوبها دورة الحياة، ولا تفنى فيها إرادة التحرر والاستقلال.. وهذا ما يجب على ساسة أحزاب الصهيونية الدينية والمستوطنين الحاكمة الآن في اسرائيل، ومعها اللوبيات اليهودية والصهيونية المساندة لإسرائيل ان تعلمه وتدركه، فمبادئ حركة التحرر الوطنية الفلسطينية انسانية، وأهدافها مشروعة، لا ينكرها عاقل في هذا العالم، علاوة على شرعيتها غير القابلة للقطع مع روح القانون الدولي، وإقرار العالم بالعمق والامتداد الحضاري للشعب الفلسطيني، وإرثه الشاهد بمقوماته المادية والروحية والدينية على امتداد ارض وطنه فلسطين، فالأرض المقدسة لم تكن كذلك إلا لأن انسانها قد عمرها واحياها وطبعها بقدسية افكاره ومعتقداته ومبادئ السلام والعدل والكرامة... والشعب الفلسطيني مساهم بفعالية في بناء المنطقة الحضارية العربية والمتوسطية، يناضل لانتزاع حريته وحقوقه الانسانية الطبيعية والسياسية، والعيش بسلام مع الجميع.. لكن ليس بأقل من استقلال وسيادة على حدود دولة فلسطين في الرابع من حزيران من العام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.

سيدرك اليهود في اسرائيل ان السلام مع الشعب الفلسطيني سبيلهم للخلاص والتحرر من قيود الصهيونية الدينية العنصرية، وحكومة المستوطنين الساعية دائما لتخويفهم وإرعابهم بخطاب (الخطر الدائم على الوجود) وأبعد من ذلك، تفتعل كل ما من شأنه ادامة امد الاحتلال والاستيطان، ورفع وتيرة جرائم الحرب بحق الشعب الفلسطيني، لاستدراج ردود فعل، لإسقاط بعض مصداقية على خطابها، أما استغلال ساسة اسرائيل لخطاب صادر من جماعات ودول يصب في صالح دعايتها، فليس مشروعا، لإدراكنا ان مصدر الخطابين واحد، رغم تعدد الناطقين!

إن الانتصار لفكر وثقافة وسلوك السلام، تتطلب أولا التحرر من (الأنا) الشخصية والفئوية والسياسية، وتبني رسالة السلام، والإيمان بمعانيها وأبعادها الحقيقية، وملخصها: ادراك الحقائق، والتسامح، والعدل، والانسجام بصدق وإخلاص مع الآخر، ونعتقد في هذا السياق أن كثيرا من اليهود محبي السلام في اسرائيل وفي العالم على قناعة تامة، بأن رئيس الشعب الفلسطيني وقائد حركة تحرره الوطنية محمود عباس "ابو مازن" قد ناضل منذ عقود، وما زال يناضل من اجل تحقيق سلام، وفقا لقرارات الشرعية الدولية، سلام يجنبنا الانجراف في تيار صناع الموت، ومستثمري الفتن والحروب الدينية.

نعتقد بأن اسباب نمو تيار السلام في اسرائيل الآن في ذروة الموضوعية والمنطق، ويمكننا استلهام ذلك مما نشاهده ونسمعه ونقرأه في المظاهرات شبه اليومية في شوارع تل ابيب، فالمعاناة من الحروب ونتائجها، تعتبر الدافع الأكبر للتوجه العقلاني والصدق في العمل لجعله حقيقة قائمة ملموسة، كما ان يهود اسرائيل، بحاجة لوقفة حاسمة في جادة السلام، لعلهم يتحررون -كأشقائهم يهود آخرين– من داء عقلية الاستكبار والتفوق بالاحتلال والاستيطان، ولعلهم يبرئون انفسهم من عار جريمة الابادة الجماعية المنظورة في المحكمة الجنائية الدولية،  جريمة ارتكبها جنرالات جيشهم بأوامر من رأس حكومتهم باسمهم!

mat
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2025