"لكننا فعلنا ذلك رغم أوسلو"
نشر بتاريخ: 2025-05-08 الساعة: 05:46
الكاتب / موفق مطر
تتميز السياسة العقلانية والواقعية، بتحكيم وسيادة العقل، والتفكير، والقراءة الموضوعية للقضايا، والحكمة والصبر، والعمل بصدق وإخلاص، ويحسب جدواها، وصواب منهجها، وبقراءة موضوعية للحقائق والوقائع، وشواهدها المادية الكثيرة، المرفوعة على قواعد الإيمان بالحق، أما المواقف والقرارات الارتجالية الانفعالية، فإنها (كبلدوزر) يسيطر عبثيون مجردون من الأحاسيس والمشاعر الإنسانية على مقوده، فيدمرون صروح الحق، أثناء بحثهم عن صورة (زعامة) ما، فتنهار تباعا، ركائز الاستقرار والأمن، ومقومات الحياة الكريمة، ولا يبقى من الشواهد على نوائبهم، وكوارث رغباتهم الشخصية، إلا الدمار والدماء المسفوكة والمهدورة، دون تحقيق أي إنجاز يذكر، لذلك لا يجوز تصنيف أفعالهم تحت خانة السياسة، لتعارض أفعالهم أصلا مع التعريف الصحيح للسياسة، الذي هو علم وفن إصلاح الأمور، لضمان حق الإنسان في الحياة بعدالة ومساواة وسلام. كما لا يمكن اعتبارهم ساسة أو قادة، لانخراطهم كأدوات ضاربة، في سياق مشاريع وأجندات خارج دائرة المصالح الوطنية.
يعتبر اتفاق أوسلو نموذجا هاما، ودليلا على صواب منهج العقلانية والواقعية السياسية، خاصة إذا تمتع صاحبها بالمصداقية والصراحة، ، ولنا مثال على ذلك، فيما قاله الرئيس أبو مازن ردا على سؤال أثناء حوار أجرته الإعلامية بادية فواز ياسين في شهر آب 2024 ومنشور في كتيب أصدرته المطبعة الوطنية الفلسطينية، تحت عنوان "فلسطين في الساحة الدولية"، نقتبس منه التالي: "صحيح أن اتفاق أوسلو لم يحسم نتيجة قضايا الوضع النهائي، لكننا نحن الذين حسمنا هذه النتيجة وبدون مفاوضات مع إسرائيل، وذلك بانتزاعنا اعتراف العالم والشرعية الدولية بالدولة الفلسطينية".
وقال أيضا: "ما كان لـ 149 دولة في العالم أن تعترف بدولة فلسطين، لولا وجود هذه الدولة على أرضها".. وضرب الرئيس مثلا على رؤيته لاتفاق أوسلو، وصراحته السياسية، وضرورة التعقل لتتويج الفرص بإنجازات، وعدم السقوط في العدمية الجالبة حتما للمخاطر فقال في ذات الحديث: "لقد قلت منذ اليوم الأول للاتفاق، أن اتفاق أوسلو ينطوي على فرص ومخاطر، فإما أن يقودنا إلى الاستقلال والدولة، وإما يكرس الاحتلال.. فاتفاق أوسلو لم يعطنا الحق للذهاب إلى المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة إسرائيل وقادتها على جرائم الحرب التي يرتكبونها بحق شعبنا، ولم يعطنا الحق في الذهاب إلى محكمة العدل الدولية ومجلس حقوق الإنسان، ومنظمات دولية عديدة ننتمي الآن الى عضويتها لنؤكد أننا دولة كباقي دول العالم، لكننا فعلنا ذلك رغم أوسلو".
وقال أيضا: "أما أولئك العدميون الذين عارضوا الاتفاق جملة وتفصيلا دون التدقيق في الفرص التي يمكن أن يتيحها لنا لاستعادة حقوقنا لم يكن بمقدورهم تقديم البدائل سوى الشعارات والمعارضة الفارغة".. "فمن إنجازات أوسلو عودة مئات الآلاف من الفلسطينيين لأرض وطنهم في تجسيد لشكل ما، من أشكال حق العودة، وعلى مدى الثلاثين عاما، تزايد عدد هؤلاء حتى وصل إلى حوالي مليون نسمة... إن عودة هؤلاء الفلسطينيين وتزايدهم على أرض وطنهم، أصبح هاجسا للكيان الصهيوني، الذي حلم بإقامة دولة يهودية خالصة، للتخلص من سكان فلسطين الأصليين، وأصبح الكيان يشعر بتهديد ما سماه القنبلة الديمغرافية".
هنا نتوقف لحظة لنتأمل أفعال زعماء العبثية والعدمية في جماعة حماس، الذين منحوا حكومة الصهيونية التلمودية الفرص، أفظعها 7 اكتوبر 2023، لتفجير" القنبلة الديمغرافية الفلسطينية" بعد هجرتهم العكسية الطوعية!
وهنا يبرز الفارق بين العقل إلى الوطن، والعائد بالخير والحياة على إنسانه، وبين كتلة غرائز بشرية انفعالية، تَهْجُر الوطن، وتشكك بعقيدة إنسانه الوطنية!! وبالمقابل نتأمل رؤية العقل الوطني الإنساني كما يشرحه الرئيس أبو مازن بقوله: "لقد رأيت اتفاق أوسلو فرصة لإعادة الحفاظ على الذات والاعتبار لقضيتنا ووجودنا الوطني، بعودة قيادة منظمة التحرير الفلسطينية التي يعترف بها العالم بأسره الى أرض الوطن.. وهذا يعني أن قيادة فلسطين، ولأول مرة ستعمل من داخل فلسطين، وبذلك اكتملت مقومات الدولة: الأرض والشعب والسلطة، حتى لو كانت هذه الدولة ترزح تحت الاحتلال". ثم قال: "لو لم يكن أوسلو لظلت القيادة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية مشتتة متنقلة بين البلدان وخاضعة لأنظمتها، بل مهددة بالتفكك والاندثار".
mat